تذكر منظمة الصحة العالمية أن واحداً من كل 100 طفل يعاني من مرض التوحد، ويسمى هذا المرض في الأوساط الطبية “اضطراب طيف التوحد” لأن الأعراض الناتجة عن التوحد متنوعة وواسعة، والقاسم المشترك بينها يكمن في أنها تضعف القدرات المعرفية والسلوكية للدماغ. وعلى الرغم من أن الخصائص العامة لهذا المرض يمكن أن تظهر في مرحلة الطفولة، إلا أن تشخيص المرض غالبا ما لا يتم تأكيده إلا في مرحلة متقدمة، ويلاحظ أن الأشخاص المصابين بالتوحد قد يكون لديهم أعراض حادة تتطلب الرعاية والدعم. وفي المقابل نجد أن بعض الشخصيات استطاعت التغلب على طيف التوحد وتطوير قدرات فكرية ومعرفية كبيرة طوال حياتهم. وأحد هذه الشخصيات هو أينشتاين، الذي من المحتمل أنه كان مصابًا بالتوحد. في هذا المقال سنتناول مرض التوحد عند الأطفال، موضحين الأسباب والأعراض وكذلك أفق العلاج.

تعريف مرض التوحد عند الأطفال

طيف التوحد عند الأطفال هو أحد الاضطرابات التي تنتمي إلى ما يسمى “اضطرابات طيف التوحد” والمعروفة باللغة الإنجليزية باسم ASD. ومن المرجح أن سمات التوحد العامة غالبا ما تظهر في مرحلة الطفولة، قبل أن يقترب الطفل من سن الثالثة، وعلى الرغم من أن أعراض طيف التوحد تعتبر واسعة، أي أن الأعراض ليست موحدة لدى جميع المصابين فإن القاسم المشترك للجميع وتتمثل هذه الأعراض في أنها تساهم بشكل كبير في الحد من قدرة الطفل على التفاعل مع البيئة والوسط الاجتماعي.

وتشير الإحصائيات والدراسات إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض في تزايد مستمر. ولم يتضح بعد سبب هذه الزيادة، هل هي زيادة فعلية في معدل انتشار المرض أم أنها بسبب اليقظة الاجتماعية تجاه المرض والتي أدت لاحقا إلى تسجيل المزيد من الحالات. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، يصل المعدل إلى 6 حالات لكل 1000 طفل.

لم تسفر الدراسات الطبية عن علاج لمرض التوحد عند الأطفال، إلا أن التشخيص المبكر والدعم النفسي والاجتماعي والعلاج السلوكي له أثر كبير وكبير في تخفيف أعراض هذا المرض.

أسباب طيف التوحد عند الأطفال

لم تتمكن الدراسات من التوصل إلى نتيجة يمكن أن تحصر أسباب مرض التوحد عند الأطفال بسبب تعقيد هذا المرض وتعدد الأعراض التي يسببها. وبشكل عام لن تجد تطابقاً كاملاً بين طفلين مصابين بطيف التوحد، ولكن الأسباب الرئيسية هي كما يلي:

أولاً: الاضطرابات الوراثية

وقد أكد العلم، من بين أمور أخرى، أن بعض الاضطرابات الجينية التي يمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، أو العيوب الجينية التي تحدث بشكل عفوي، تلعب دوراً مهماً في كثير من حالات التوحد. يشار إلى أن هناك العديد من الجينات التي تشارك بشكل مباشر في تطور اضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى أخرى يجعل وجودها الطفل أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.

ثانياً: العوامل البيئية

يقول بعض العلماء أن مرض التوحد هو نتيجة لمزيج من العوامل الوراثية والبيئية. وتشير بعض الدراسات أيضًا إلى أن تلوث الهواء الذي يحتوي على بعض الفيروسات يمكن أن يكون عاملاً مؤهبًا لمرض التوحد لدى الأطفال.

ثالثاً: أشياء أخرى يعتقد أنها تلعب دوراً في تطور مرض التوحد

تشير بعض الدراسات إلى أن المشكلات التي قد تنشأ أثناء المخاض والولادة يمكن أن تؤدي إلى ظهور مرض التوحد، ومن الممكن أيضًا أن يلعب الجهاز المناعي دورًا في جعل الطفل أكثر عرضة لهذه المشكلة.

عوامل خطر اضطراب التوحد عند الأطفال

من المعروف أن أي طفل، بغض النظر عن عرقه أو جنسيته أو أصله، يمكن أن يعاني من مرض التوحد، ولكن بالطبع، كما هو الحال مع الأمراض الأخرى، هناك بعض العوامل التي من شأنها أن تكون أكثر دلالة على حدوث المرض، ومن بين هذه العوامل نعد نذكر:

أولا: الجنس

تشير بعض الدراسات إلى أن الطفل الذكر أكثر عرضة للإصابة بالتوحد ثلاث مرات من الطفلة.

ثانياً: الخلفية العائلية

من المحتمل أن تكون الأسرة التي تضم شخصًا مصابًا بالتوحد أكثر عرضة لإنجاب طفل آخر يصاب بهذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، فمن الواضح أن معظم حالات التوحد عند الأطفال سببها آباء وأمهات يعانون من مشاكل معينة في السلوك والمهارات النمائية.

ثالثاً: بعض الأمراض تزيد من احتمالية الإصابة بالتوحد لدى الأطفال

  • الصرع.
  • متلازمة توريت.
  • التصلب الحدبي.
  • متلازمة X الهشة، وهي متلازمة تؤدي إلى تطور ورم في المخ.

الرابع: سن الآباء

ويعتقد بعض العلماء أن أطفال الآباء الأكبر سنا (أكثر من 40 عاما) أكثر عرضة للإصابة بالتوحد من أقرانهم، بينما نجد أن نفس الدراسات تكاد تهمش تأثير عمر الأم كعامل خطر للإصابة بالتوحد لدى الأطفال.

أعراض مرض التوحد عند الأطفال

كنا قد أشرنا سابقاً إلى أن طيف أعراض التوحد عند الأطفال واسع، لأنه إذا تم تشخيص إصابة طفلين بالتوحد مثلاً، ففي معظم الحالات سيظهر كل طفل من الطفلين أعراضاً مختلفة عن أقرانه، وتطور هذه الأعراض تختلف السلوكيات والسلوكيات إلا أننا نجد أن الأطفال المصابين بالتوحد الشديد يصبحون منعزلين للغاية ويواجهون صعوبة كبيرة في التفاعل مع البيئة الاجتماعية والتحدث مع الآخرين.

بشكل عام، ولكن فيما يلي نحاول تلخيص الأعراض الأكثر شمولاً وشيوعًا التي لوحظت لدى مرضى التوحد:

أولاً: مشاكل في المهارات الاجتماعية

  • التوحد عند الأطفال يجعلهم عرضة للعزلة حيث يفضل مريض التوحد اللعب بمفرده.
  • – لا يكاد يميز أو يستشعر مشاعر وأحاسيس الآخرين.
  • ينسحب على نفسه ولا يريد أن تعانقه أو تقبله أمه.
  • عندما يتحدث معه يبدو كما لو أنه بالكاد يسمع المتحدث.
  • ليس لديه أي اتصال بصري تقريبًا، مما يعني أنه لا ينظر إلى الشخص الذي يتحدث إليه.
  • يتجاهل المكالمة.

ثانياً: المشكلات السلوكية

  • يقوم بتكرار حركات معينة بشكل مستمر، مثل الدوران أو تكرار حركة معينة بيديه.
  • لديه طقوس غريبة لا ينساها أبدًا.
  • وعندما يضطر إلى التخلي عن هذه الطقوس والعادات يصرخ ويبكي.
  • يستمر في التحرك.
  • يظهر التعجب والدهشة من الأشياء البسيطة التي بالكاد يلاحظها الأطفال الآخرون.
  • حساس للغاية للضوضاء والضوء.
  • وهو لا يشعر بأي ألم.

ثالثاً: اضطراب المهارات اللغوية

  • ونجد أن مرض التوحد عند الأطفال يؤخر قدرة الطفل على النطق والكلام مقارنة بالأطفال الآخرين.
  • من الممكن أن يفقد مريض التوحد القدرة ولا يعود قادراً على نطق بعض الكلمات التي سبق أن قيلت له.
  • يتجنب أي اتصال بالعين إلا إذا كان يريد شيئًا.
  • طريقته في الكلام غريبة، على سبيل المثال يستخدم النغمات العالية.
  • لا يشارك في أي محادثة ولا يستطيع مواصلة محادثة موجودة.
  • ويلاحظ أيضًا أنه يكرر بعض الكلمات والمصطلحات ولكن لا يستطيع استخدامها في سياق واضح.

الصعوبات التي يواجهها مريض التوحد

ومن الواضح أن مرض التوحد يتسبب في معاناة الأطفال بشكل واضح ومميز من صعوبات في جميع المجالات التالية:

  1. التصرف
  2. الكفاءة اللغوية
  3. التعامل مع البيئة وبناء العلاقات الاجتماعية.

لقد وجد أنه مع تقدم بعض مرضى التوحد في السن، فإنهم يتغلبون على بعض الصعوبات ويصبحون أكثر قدرة على التأقلم والتفاعل مع بيئتهم. كما يتطور بعضهم إلى أشخاص عاديين ويواصلون حياتهم بشكل طبيعي. وفي المقابل نجد أنه يستمر في مواجهة صعوبات سواء في التحدث أو إقامة العلاقات الاجتماعية، وتزداد هذه الصعوبات سوءًا مع التقدم في السن.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد يتمتعون بقدرات استثنائية ومهارات كبيرة، ولكنها غالبًا ما تقتصر على مجال واحد، مثل الرسم أو اللعب.

علاج مرض التوحد عند الأطفال

ولم يتم العثور على علاج لمرض التوحد حتى الآن. ولا تقتصر العلاجات المتوفرة على نوع واحد بل هي عديدة ومتنوعة وتشمل:

  • العلاج السلوكي
  • دواء
  • تعليم التحدث واللغة
  • العلاج التربوي

علماً بأن التشخيص الإضافي قبل سن الثالثة (الذي يقوم به الطبيب من خلال ملاحظة بعض سلوكيات الطفل وسؤال الأهل عن بعض قدرات الطفل ومهاراته، وكذلك إخضاع الطفل لبعض الاختبارات والتقييمات) له أثره. تأثير كبير على تحسن الحالة.